بسم الله الرحمن الرحيم
ارجو ان تكون مقاله شباب عايز الحرق السابقه قد نالت بحق اعجاب من قرأها على قلتهم اليوم مع كاتب مختلف كاتب يمكن ان يضحك طوب الارض على حد تعبير الاستاذ اسامه انور عكاشه شخصيا انه الاستاذ بلال فضل تعرفونه نعم هو المؤلف الشهير ولكننى عرفته صاحب قلم طويل بصحيفة الدسنور
تقتضى الامانه ان انوه ان المقاله منقوله من موقع (ايجى فيلم)
ام ميمى التى اكلها الربو
رمتني يد الاقدار عن قوس محنة فسكنت لدى ام ميمي. كنت طالبا في السنة الاولى من كلية اعلام, اجبرته الظروف على ان يترك اهله وياتي ليدرس في جامعة القاهرة ينفق على نفسه من النقود التي ادخرها خلال عمله في الاجازة الصيفية, حتى يجد عملا يساعده على اكمال دراسته بعد ان رفض اهله ان يدفعوا له مليما واحدا لعدم رضاهم عن دراسته للاعلام الذي اضطر لدراسته كبديل للسينما التي كان الالتحاق بمعهدها يحتاج الى واسطة لم تكن متاحة له. لذلك ولذلك وكله وافقت على ان اقيم في حجرة اشبه بال"حق" حقا وصدقا من حجرات شقة ام ميمي البالغ عددها حجرتين ومطبخا وشبه حمام, كانت شقة ام ميمي يقع -بالمعنى المهين للوقوع- في الدور الارضي في بيت ملتبس من ثلاثة ادوار اشد التباسا, وهو اول بيت يصادفك اذا شائت ارادة الله ان تدخل الى شارع بلغ من الحقارة شأوا جعله الشارع الوحيد في مصر كلها الذي لا يجمل اسماء برغم ان شوارع مصر تحفل باسماء تبدا بشارع ديجول ولا تنتهي بابن زمبل الرمال, وحده ذلك الشارع الغامض اراد مسئولو محفظة الجيزة له ان يحمل ذلك العار الذي تشهره لافتة رسمية معلقة في مدخل الشارع "شارع خلف كازينو رمسيس", وبرغم ان مدخل الشارع اضيق من خلق مزير التعمير لكن الحكومة اعترفت له بانه شارع, لكنها لم تشرفه بحمل اسم غير اسم كازينو رمسيس الواقع على شارع الهرم في منطقة حسن محمد الذي لم اتشرف حتى الان بمعرفة من هو ولا ماهو الدور النضالي الذي استوجب اطلاق اسمه على هذه المنطقة التي لعبت دورا مهما في تاريخ الصراع بين سكان الهرم وفيصل ومابينهما.
ليس الامعان بالحديث عن الشارع بابتعاد مني عن الحديث عن ام ميمي. حاشا وكلا, بل هو امر ضروري لتفهم ام ميمي التي عاشت معي وماتت سنين طويلة دون ان يفكر احدنا في السؤال عن اسمها الحقيقي, او حتى السؤال عن سر حملها لاسم ام ميمي, تماما كما يفكر احد من المئات الذين يسكنون هذا الشارع في سؤال الحكومة عن سر استنكافها عن اطلاق اسم, اي اسم كان على الشارع, على الاقل لتحسين وضعهم الاجتماعي بين سكان الشوارع المجاورة.. لم يكن يبدو عليهم طيلة عشرتي معهم انهم متضايقون من اسم الشارع, كانه قدر محتوم عليه وعليهم, بل ان بعضهم اخذ يشكر الحكومة لانها اختصرت الحياة عليهم واعطتهم اسما يحمل وصفه في ذات الوقت, فبد ان يقول احدهم انا سكان في شارع كذا خلف كازينو رمسيس يقولها مباشرة تسر السامعين انا ساكن في شارع خلف كازينو رمسيس.
وحدي انا الغريب عن المكان الذي كنت مشغولا باسئلة وجودية حول اسم الشارع واسم ام ميمي الحقيقي, لكن اذا كان الحديث عن اسم الشارع امرا مباحا فالسؤال عن ام ميمي لم يكن كذلك بتاتا. سالتها مرة فتعكرت المياه الصافية التي كانت تجري بيننا, واتضح بعد ايام من الخصام انها ظنت انني اريد ان اعمل لها عملا, قلت لها: "يعني هعملك عمل بايه ياام ميمي"؟, قالت لي: عشان تاخد الشقة وضع "يت", قلت لها: تتقطع "يتي" ولا اعمل كده ياام ميمي.. وعادت المياه لمجاريها, فضربت مجاري الشقة في يوم من اسوا ايام عمري يرد شرحه لاحقا.
ذات يوم رائق سالت ميمي نفسه عن اسم امه فنظر الي نظرة زغر وزجر لتذكيري ان العشرة وحدها هي التي تسمح له بتقبل دخولي في هذه المنطقة المحرمة ثم قال لي: "والنعمة دي مااعرف, انا وعيت عالدنيا لقيتهم بيقولوا لها يا ام ميمي.. ده حتى قرايبي باين مايعرفوش اسمها اصلهم كل مايشتموني يقولوا لي ياابن الو..." لكي تفهم السياق الذي يجعل ميمي يقول فيه كلاما كهذا يكفي ان تعرف ان النعمة التي اشار اليها ميمي انفا كانت قزازة سبرتو كان يحتسيها وهو ينادمني لتزجية اوقات فراغه, بالمناسبة ذات ليلة عكرة سالت ميمي عن اسمه الاصلي فقال لي بعد ان اطلق صوتا منغما شائعا"وهتفرق معاك بايه؟.. اذا كان مافرقتش معايا اشاسا".
ام ميمي هي التي باحت لي في نهار خروجي بان ميمي اسمه الحقيقي عزت, وان سر تسميته بميمي هو انها عندما انجبته كان "حلو قوي احلى من البنات, اصل انا قبل مااعيا كنت قمر قمر.. كانت باب الشعرية بتحارب الضاهر عشاني.. امي الله يحرقها ماكنتش اطيقها كانت ست ظالمة قعدت تتريق عليا وتقولي ياوكستك مخلفة بت ومسمياها جمال.. ماتسنيه ميمي احسن.. بكره عيال الشارع تقفز عليه -مشيها تقفز.. الدنيا صيام- وتكسر عينك وعينه". ثم تتبع ام ميمي الحكاية مباشرة بالايمان المغلظة ان مابشرت به الجدة لم يحدث ابدا, لان الحارة شهدت ميلاد من هم احلى منه بكثير فحملوا عن عزت الشهير بميمي ذلك العبء الذي اشارت اليه الجدة.
العيا الذي تلقى عليه ام ميمي بلائمة تحويلها من قمر الى كتلة قمحية من الدهون والالام, هو مرض الربو الذي ماتت ام ميمي به كما سيرد ذكره. كانت المرة الاولى التي عرفت فيها بان ام ميمي مصابة بهذا المرض عندما تسلمت السكن واخذت تلقى علي بتعليمات السكن التي انحصرت في "ماتجيبش نسوان وانا هنا.. وماتكلش لحمة او زفر من غير ماتعزم عليا.. ومايوزكش عقلك بالليل وانا نايمة تقرب لي عشان انا عيانة وعندي الربو.. هتتعدي وتموت.. ده لو سلمت من ايديا.. انا ست فيها العبر بس شريفة". لم ارد ان اسفه من اعتقادها انها مطمع للراغبين, فقلت لها "انا بتاع ربنا الحمد لله ومش لاقي اكل اساسا عشان اجيب نسوان.. اما اني اقرب لك فدي حاجة ربنا يعين عليها بس انت برضه اقعدي حشمة في البيت". تورد وجهها خجلا ووعدتني بان تحرص على ذلك لكي نتعاون انا وهي في اخزاء الشيطان الذي سيكون رابعنا في حالة وجود ميمي ابنها في الشقة وثالثنا في حالة غيابه.
كان ميمي ابن ام ميمي هو الساك الثالث الذي يؤانسنا في الشقة بضع ساعات من الليل عندما يعود منهكا من عمله في ورشة سيارات بباب الشعرية -موطن ام ميمي الاصلي والذي نزحت منه الى شارع خلف كازينو رمسيس لاسباب تبينت لي فيما بعد وسابينها لك فيما بعد-.. كان يعود في تمام الحادية عشرة من كل ليلة مصطحبا معه زجاجة نصف ممتلئة بما تيسر من انواع الخمور الرديئة بدءا من السبرتو ووصولا الى الاربعة والتمانين وراس العبد, كان -لاسقاه اله من خمر الجنة- عندما ياتي باربعة وتمانين يقوم بوضع الزجاجة بين رجليه ويقول لي وهو يضحك ملء شدقيه "شفت انا راكب اربعة وتمانين اهو.. ماتيجي تتشعبط". لكن ذلك على كل حال كان اهون بكثير من طقوسه في يوم الاحد الاجازة الرسمية الذي كان يصر فيه صيفا وشتاء على البقاء في البيت بالفانلة الكت والبوكسر والشراب الصوف, واذا فكرت ان تساله عن سر الشراب الصوف قال لك بتلقائية النطاسي البارع "عشان رجلي ماتخدش برد". كان يصر يوم الاحد على اشعال بابور الجاز كصوت مستمر في الخلفية, ويطلب مني ان اكون نديما له وهو يتسي راس العبد ويمزمز بفبلفل اخضر وبصل واحكي له "الدنيا ماشية ازاي", وهي جملة كان يعقبها بجملة تحذيرية "اوعى تفتكرني جاهل.. انا بس الشغل واخد كل وقتي".. ولانني انا شخصيا لم اكن اعرف الدنيا ماشية ازاي, فالتلاتة جنية اللي انا مجبر على الا اصرف اكثر منها كل يوم لاتكنني الا من شراء مجلة روز اليوسف كل سبت, بالتالي كنت مضطرا لشراء المجلات القديمة من بتاع الروبابيكيا وقرائتها لميمي, اذكر انه بكى من شدة التاثر وانا اقرا له موضوعا عن الحرب العراقية الايرانية ليقول لي بحنق "هو صدام ده ماحدش عارف يلمه.. مش عاتق لا كويت ولا ايران الله يحرقه", قبل ان يسالني سؤالا تفصيليا "هي ايران دي تطلع فين"؟!.
يسالني احدكم وهذا حقه "ولماذا صبرت على كل هذا, لماذا لم تعض على غرفتك بالنواجذ وتتقي شر ميمي؟!, الحقيقة ثمة سببان لهذا الموقف الانسحاقي تجاه ميمي, اولهما سحبه لمطواة قرن غزال في اول مرة طلبت منه ان يتركني لان لدي بحثا لابد من تسليمه, ويبدو انه لم يكن مؤمنا بجدوى الابحاث في العملية التعليمية فقد قال لي "بحس على مين ياروح انص.. ده انا ميمي يااه", واجبرني على ان اقرا له فصلا من كتاب وسائل الاتصال نشاتها وتطورها للمرحوم خليل صابات حتى يتمكن من النوم قائلا لي "صوتك وانت بتقرا الكلام الفارغ ده بيهدي اعسابي".. السبب الثاني يعبر عنه المثل الدارج "ايه اللي رماك على ميمي.. اللي امر منه", واللي امر من ميمي هنا هو اكتشافي انني لا اسكن في غرفتي لوحدي بل يسكن معي فيها فاران وبرص.. كان قد قيل لي عند تسليمي للغرفة من ام ميمي ان بها فارا واحدا لكنني اكتشفت انهما فاران بعد اشهر من الاقامة عندما جاء لي زيارة مصلحة لاخذ بعض الملخصات, جلس على الكرسي الوحيد في الغرفة وجلست على الارض حيث انام, فجأة اتسعت محاجره حتى كاددت تنخلع ووثب برشاقة بطل اوليمبي فوق الكرسي ويداه تلوحان في هواء الغرفة العطن خلف ظهري وصوته يخرج بالكاد من فمه "يانهار اسود ايه اللي وراك ده"؟ّ, قلت له "اه يا خرع.. كل ده عشان فار لا راح ولا جه", قال لي "دول فارين يا بارد", ادهشتني المعلومة فقلت له "ياه الغش وصل حتى لعدد الفيران.. اقسمت لي ام ميمي بعدها انها لم تكن تعرف انهما فاران, وقالت لي "وحياة النعمة دي انا مااكدب ولو على رقبتي.. لو فارين هاقول انا هخاف.. البرص انا كنت عارفه بس مارضيتش اقولك عشان ماتتقرفش من الاكل". كانت النعمة هذه المرة رجل فرجة, وهي الاكلة المفضلة لدى ام ميمي باعتبارها الزفر المتاح, وعلى يديها عرفت ان هناك سوقا كاملا في المنيب يقوم ببيع فواكه الفرخة على وزن فواكه اللحمة من رقاب ورجلين ورؤوس ومكونات اخرى لاداعي لذكرها فالدنيا صيام, ولا داعي لذكرها حتى والدنيا فطار.
_________________